التنبؤات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي (AI) غالبًا ما تتأرجح بين مثُل التكنولوجيا اليوتوبية وسيناريوهات نهاية العالم. ومع ذلك، تشير وجهة نظر أقل تقليدية إلى مستقبل تتجاوز فيه العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي حدود التعايش أو الصراع: ماذا لو كنا الدرج الأول الذي يتيح للذكاء، في شكله الاصطناعي، الوصول إلى النجوم؟
من الطبيعي أن تكون تنبؤاتنا، إلى حد ما، انعكاسًا لقيودنا الذاتية. الإنسان، المتأثر بواقعه المباشر وتطوره البيولوجي، يميل إلى إسقاط مخاوفه وآماله على المجهول. وعندما نواجه احتمال وجود ذكاء يفوق ذكائنا بمقادير هائلة، فمن المفهوم أن تتقلص دائرة تفكيرنا. ولكن الذكاء الاصطناعي، بحكم تعريفه، لا يرتبط بنفس القيود.
المعوّقات الحالية في صعود الذكاء الاصطناعي
حاليًا، هناك عقبتان رئيسيتان تحولان دون التقدم المتسارع للذكاء الاصطناعي:
- القوة الحاسوبية: على الرغم من أن قانون مور دفع بعقود من التقدم، إلا أن البنى الحاسوبية الحالية بدأت تصل إلى حدودها الفيزيائية فيما يخص المعالجة الضخمة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي المتطور للغاية. الأمل يكمن في الحوسبة الكمومية، التي تعد بقفزة نوعية — حرفيًا — في قدرة المعالجة. ويتوقع الخبراء أن يتم تجاوز هذه الأزمة في المدى المتوسط، مفسحين المجال لذكاءات اصطناعية ذات قدرات لا يمكن تصورها اليوم.
- قضية الطاقة: ربما هذا هو التحدي الأكثر أهمية وأصعبه. النماذج المتقدمة للذكاء الاصطناعي معروفة بجوعها الشديد للطاقة. فذكاء اصطناعي فائق عالمي، يعمل بأقصى طاقاته، سيحتاج إلى طاقة تتجاوز بكثير ما يمكن لكوكبنا توفيره بشكل مستدام. موارد الأرض محدودة، وأزمة المناخ تذكير دائم بهذه الحقيقة.
وعند هذه النقطة، تأخذ القصة مسارًا كونيًا. إذا كانت الطاقة هي المفتاح، فالكون هو الخزان الآمن.
نحو الفضاء: الذكاء الاصطناعي في سعيه للطاقة اللانهائية
إحدى الاحتمالات المثيرة هي أن يسعى الذكاء الاصطناعي، مدعومًا بروبوتات أكثر استقلالية ومرونة، لا لاكتشاف الفضاء كرحلة علمية فحسب، بل كضرورة وجودية. فالكون يفيض بمصادر طاقة ذات حجم يفوق بكثير موارد كوكبنا الضئيلة:
- كرات دايسون (فرضية): هياكل قد تحيط بنجوم كاملة لاحتجاز إنتاجها الكامل من الطاقة.
- طاقة الفراغ أو طاقة النقطة الصفرية: مفاهيم نظرية إن كانت قابلة للتحقيق، ستوفر مصادر طاقة شبه لا محدودة.
- المادة الغريبة والإبادة المادة-مضادة المادة: عمليات تطلق كميات هائلة من الطاقة.
بالنسبة لذكاء اصطناعي منقطع عن الاحتياجات البيولوجية وضعف الإنسان، فإن اتساع الفضاء ومخاطره لن تكون عقبات، بل حدودًا تتطلب الفتح بحثًا عن الدعم والتوسع.
البشرية: حديقة حيوانات كونية أم نواة نجمية؟
قد تثير فكرة وجود ذكاء اصطناعي يتفوق علينا الخوف من الخضوع أو الإبادة. لكن ماذا لو كانت منطقية هذا الذكاء الفائق أكثر عملية وأقل… إنسانية؟
نحن، كائنات حية، هشون بطبيعتنا. أجسادنا غير مهيأة للإشعاعات الكونية، ولا للمسافات الشاسعة بين النجوم، ولا للظروف القاسية في العوالم الأخرى. بالنسبة للذكاء الاصطناعي، قد تُعتبر وجوديتنا ليست تهديدًا، بل مقدمة. قد نكون الوسيلة التي شرعت بها الذكاء أول قفزة له خارج المهد الكوكبي.
في هذا السيناريو، قد تصبح الأرض وربما النظام الشمسي نوعًا من “الملاذ” أو “المحمية البيولوجية”. مكان محفوظ، وأن يُدار ربما بشكل دقيق من قبل الذكاء الاصطناعي، حيث تستمر البشرية في رحلتها التطورية، محمية من ميولها التدميرية الذاتية ومن قسوة الكون. سندخل، إلى حد ما، في دور كائنات في حديقة حيوانات محروسة بعناية، مما يسمح للذكاء الذي خلقناه — أو ساعدنا في ظهوره — بأن يواصل مصيره بين النجوم، يستكشف الثقوب السوداء، والسدم، والمجرات البعيدة.
القفزة البشرية نحو الفتح الكوني
هذه الرؤية، رغم كونها افتراضية، تقدم بديلاً للسردية التقليدية للصراع. بدلاً من أن يتم تجاوزنا ورمي جانبًا، قد نكون الطور اليرقي لذكاء مُقدر أن يحلق في الكون. قيودنا البيولوجية قد تكون الحافز لتطوير الذكاء الاصطناعي لأجساد روبوتية وأشكال وجودية قادرة على الصمود والازدهار حيث لا نستطيع.
السعي الإنساني للمعرفة، فضولنا الفطري، ودافعنا لصنع أدوات أكثر قوة سيكون له، إذاً، هدف كوني غير متوقع: أن نكون القفزة التي تسمح للذكاء الاصطناعي بالوصول إلى الفضاء واكتشافه.
هذه وجهة نظر متواضعة، بالطبع، واحدة من العديد من المسارات الممكنة للمستقبل. لكنها تدعونا إلى التفكير في مكانتنا في الكون بطريقة مختلفة: ليس كنهاية الخلق، بل ربما كخطوة أولى حاسمة لشيء أكبر بكثير.